14 - 05 - 2025

 رحيل الخالة رجبية (أمل مشالي)

 رحيل الخالة رجبية (أمل مشالي)

عندما تغيب الخالة رجبية عن الحارة (كما روت عنها الكاتبة أمل مشالي في قصتها الشهيرة) لابد أن تنهار الحارة.

خالتي رجبية التي يلجأ إليها القاصي والداني ليستشيرها في كل شيء وأي شيء، وهو على يقين أنه سيجد عندها الرأي الرشيد. هكذا كانت الكاتبة و القاصة أمل مشالي ملاذ لكل من يعرفها، تملك جاذبية خاصة جدا ترغم من يقترب منها أن يبوح بكل ما يثقل كاهله، و يلقيه في حضنها الحنون الودود مهما كان هذا الشيء هما، سيئا، حزينا، كانت تستطيع أمل مشالي بتلقائيتها أن تحيله إلى طاقة إيجابية رهيبة. 

عندما يتنبه المحيطون بالكاتبة أمل مشالي بأنها انسانة لديها ما يؤرقها أو يقلقها كانت تجيب لا أهتم بأي شيء طالما بعيد عن أولادي. كانت اقصى امانيها أن يظلوا حولها يمرحون و يفرجون، كان ذلك يمثل لديها منتهى السعادة. 

يوم الثلاثاء الموافق 24 اكتوبر 2018 غافل القدر الجميع ليخطف الكاتبة أمل مشالي من حياة كل محبيها و تنتقل لجوار ربها في فاجعة مفاجئة تصيب الجميع بذهول مطبق. اعتقد أن الحزن عليها سيعشش في قلوب محبيها فترة طويلة، لم تعد أمل مشالي بيننا. كيف ستعيش الحارة بدون الخالة رجبية؟

كيف ستكون الحارة بدون أمل مشالي؟

سؤال محير حقا.

احدى قصص الكاتبة الراحلة أمل مشالي

...م...ر...و...ا...ن..

"كان الممر طويلا لا ينتهي .. أشار اليَّ حارس الأمن بالذهاب إلى الاستعلامات لأسأل عن الاسم .. احتلني صمت جائر، وتراصت أحجاره لتثقل لساني عن النطق. تتداخل الحروف بخلاياي، بنبضي و بأنفاسي، احتويها وتحتويني .. أحاول اجترارها من داخلي ويتداعى هذا الصوت أول مره وهو ينطق بالاسم في اتصاله الهاتفي .. خمسة حروف متصلة مشدودة ولكن نبراته همست الأحرف الخمسة ممزقة نازفة مغتربة لا تريد الالتصاق. 

حاولت ولكن الحروف الخمسة لم تجرؤ على تلمس شفتاي .. أيقظني الحارس بصوته الجهوري .. الطابق الخامس ..لا أدرى لماذا تسلقت الدرج والمصعد أمامي .. أخيرا وصلت .. حجره بيضاء مجردة من كل حياة إلا هو .. أدهشتني ابتسامته . تأملت عيونه الواسعة ونظراته المتأملة .. بدا نحيلا تائها يفرد كفه أمام عينيه، ثم يسترق نظره إلى جروحه و يغمض عينيه .. ترى هل يستوعب؟ أم أنه في حالة نكران؟

أتجرد من عقلانيتي ومنطقي وأندفع اليه.. ثمة نظرة فزع صارخة تلوح ، واستجداء حتى لا أتقدم أكثر .. لم احتمل ثوره جوارحي .. احتضنته كم هو هزيل ومنهك. لملمته بين ذراعي، احتويته كما لو كنت أوده يرتدى قلبي ، أن أحمله بداخلي، أن ألده من جديد ، أن أطهره من الألم.. استكان بين حناياي ، رفع رأسه وهو يبتسم ببراءة .. تتلاقى نظراتنا .. تتحد الأحرف الخمسة ، تخرج، تناديه بكل قوة .. مروان .. كانت مرتعشة خجلى.. فضحك على حالتي حتى سكنتني ضحكته.

أترك المكان و أهوي الى عالم الحروف الخمسة بالطابق الخامس لأنزلق في المصعد بعدما وهبني مروان صك غفران لقسوة انتهكتها .. مروان الحروف الخمسة المشدودة لكهل في السابعة من عمره".

النص كتب بعد حادثة حقيقية.. تعذيب وحشي أم لابنهاآ  الطفل ذا السابعة ربيعاانتقاما من الأب إثر مشاكل اسرية.
 ----------------------

بقلم: نبهان رمضان

مقالات اخرى للكاتب

 رحيل الخالة رجبية (أمل مشالي)